حقيقة يجب ان نقر بها و ان يقر
بها الجميع، ان كنا نتمتع بشي من العقلانية و الموضوعية و الانصاف الفكري و
التاريخي، و هي ان كتاب القران، كتاب الله المنزل على خير عباده و مصطفاه سيدنا
محمد (ص)، هو الذي وجه الحضارة الانسانية و خاصة الجانب العلمي و التقني بكل جوانبه
الى ما وصلت اليه اليوم، كيف ذلك؟
لقد كانت الحضارة الانسانية قبل القران،
المتمثلة في الحضارات القديمة: ما بين النهرين و الصينية و الهندية و اليونانية
قاءمة على الاساطير في تفسير بعض الظواهر الكونية، و استطاعت كذلك اكتشاف و وضع
بعض الاثار الهندسية و الرياضية و الطب كذلك، و الفلك عند العرب خاصة و غيرها..
لكن بعد نزول كتاب القران في امة امية،
سيحدث ثورة كبيرة في الحضارة العربية الاسلامية خاصة و البشرية عامة، حيث سيدفع
هذا الكتاب المقدس المؤمنين به الى التفكير في مجموعة من الجوانب الحضارية بكل
مقوماتها: الكونية و العمرانية و التشريعية و القانونية و الثقافية و الادبية و
اللغوية و الطبية و الفلكية و التاريخية و الاجتماعية و الفلسفية و غيرها من جوانب
العقل و التفكير، التي دفع هذا الكتاب البشر خاصة المؤمنين به الى النظر و
التفكيرفيها و وضع قواعد لها،
و بفضل كل هذا ظهرت مناهج البحث و الدراسة
العقلانية و التجريبية ، و تم ترك التفكير المبني على الاساطير..
فادى ذلك الى اكتشافات راءدة و بزغت اسماء
علمية مسلمة بارزة كالبيروني و ابن النفيس و الخوارزمي و ابن سينا و غيرهم كثير، و
حاول عباس بن فرناس الطيران في الاندلس (يا معشر الجن و الانس ان استطعتم النفوذ
في السماوات و الارض فانفذوا، لا تنفون الا بسلطان).
و غزت سفن المسلمين كل البحار، و وصلوا
العوالم البعيدة (القارة الامريكية خاصة التي يدعي الغرب انه مكتشفها، و لكن ثبت
بالدليل ان المسلمين اول من وصلوا الى العالم الجديد، حيث وجدت اثار -قطع خشب-
لسفن عربية في بعض الشواطء الامريكية).
و بفضل احتكاك الاوربيين بالمسلمين، و
البعثات الطلابية الاوربية الذين كانوا يفدون الى كبرى الجامعات الاسلامية:
القرويين و الازهر و الجامع الاموي بدمشق و بغداد، و غيرها تكونت شريحة جديدة من
المثقفين، و اطلاع المثقفين الاوربيين على تصانيف العرب و المسلمين، انهطلقت
النهضة الاوربية، و قامت الثورة على الكنيسة التي كانت تفرض على اتباعها بعض
الافكار و الاقوال فرضا، و تحرم التفكير الحر المنطلق، الشيء الذي المثقفين
الاوربيين يدخلون في حرب ضروس على الكنيسة، لانها كانت تحرم انطلاق الفكر و التفكير.
و قد اعترف كثير من المستشرقين المنصفين
بهذا الدور الذي لعبته الحضارة العربية الاسلامية في قيام النهضة الاوربية، و اشهر
هؤلاء المستشرقة الالمانية صاحبة كتاب "شمس الشرق تسطع على الغرب"، و
بعض اخر منهم اعترف باستاذية الحضارة العربية الاسلامية للحضارة الغربية المعاصرة
(كثير من القوانين ماخوذة عن الشريعة الاسلامية، و ابن تيمية ما زال يدرس في كبرى
الجامعات الغربية، و ابن خلدون و غيرهم).
الا انه بعد اتصال العرب و المسلمون
بالحضارة الغربية، صدموا صدمة كبيرة بسبب الفارق المهول بين الجانبين، الحضارة
الغربية المتقدمة ماديا في كل المستويات، و الحضارة العربية الاسلامية التي تغط في
نوم عميق على كافة المستويات، حتى اصبحت شعوبها لقمة ساءغة للاستعمار الاوربي،
فنهب ثرواتها الطبيعية المادية، و و ثقافتها المتمثلة في المصنفات و التاليف
المخطوطة التي تعج بها بعض المكتبات الغ بية العريقة.
و ظن بعض المثقفين من بني جلدتنا، ان الغرب
لم يحقق قفزته الحضارية الا بعد نبذ الدين، و حصر رجال الدين داخل اديرتهم، و لكن
الحقيقة هو ما تم بسطه اعلاه، و راحوا ينادون بالحداثة من اجل التحديث، و قصدهم هو
نبذ الدين و حصره في المساجد، لكن تحقق بعض من هذا، و لم يتحقق شيء من التقدم لا
الاقتصادي و لا الصناعي و لا الثقافي و لا الاجتماعي و لا غيرها، بل ما زالت
مجتمعاتنا تتخبط و تتلمس طريقها، بل الان كثير من " الدول" العربية
الاسلامية انهارت بالحروب الداخلية، او بسوء التدبير، و في بعض الاحيان بكيد من
انظمة تدعى عربية اسلامية كذلك.
فهل سيتم فتح الاعين على الحقاءق التاريخية
و الموضوعية، و مراجعة المواقف من التراث و الماضي و معرفة الذات، لرسم طريق
المستقبل، ام ستبقى الشعارات و الخطابات الرنانة سيدة الموقف، بينما المناصب و
المغانم هي الهدف لدى البعض و السواد الاعظم تاءه ضاءع..